أنت هنا

الأخبار

أوكسجين"...مبادرة من أجل أطفال مخيم شتيلا"


من غرفة باستديو تصوير بدأت بتول غانم مبادرتها لتعليم الأطفال في مخيم شاتيلا بلبنان عام 2021، وخلال نحو عامين استفاد مئات الأطفال بالمخيم ممن لم تمكنهم ظروفهم من الالتحاق بالمدارس من مبادرتها، التي حملت اسم "أوكسجين" لأن التعليم مهم للحياة كالأوكسجين.

في عام 2011 وصلت بتول إلى لبنان من محافظة درعا في سوريا هربًا من الحرب، واستقرت بمخيم شاتيلا، تحمل بتول الشهادة الثانوية ولم تكمل تعليمها الجامعي، لكنها كانت تعلم دائمًا أن شيئًا ما يجب عمله لتحسين حياة الناس. 

بعد نحو عشر سنوات، وبعدما أوصلت بتول بناتها إلى المدرسة خارج مخيم شاتيلا، وجدت أن أطفالًا آخرين بعمر بناتها يلعبوا في الحي، رغم أنها لم تكن قد بنت علاقات مع جاراتها، إلا أنها طرقت باب جارتها وسألتها: "لماذا أطفالك ليسوا بالمدرسة؟".

علمت من الجارات أن أسبابًا عديدة تمنع الأهالي من إرسال أطفالهم للمدرسة، إذ تقع المدارس المخصصة للاجئين السوريين خارج المخيم، بينما مدارس المخيم مخصصة للفلسطينيين فقط، لذلك لا تستطيع معظم العائلات الدفع لوسيلة نقل تقل الأطفال يوميًا، عدا عن أنه للتسجيل بالمدارس الابتدائية يُشترط عادةً في لبنان أن يحصل الطفل على شهادة تخريج من الروضة، التي لا تستطيع معظم العائلات التي تعيش بالمخيم من دفع أقساطها، ولا يدخلون أطفالهم إليها، لذلك لا يمكن تسجيلهم بالمدارس النظامية بعدها.

تقول بتول لـ"مهاجر نيوز": "عندما وجدت الوضع هكذا، أحسست أنه من الظلم ألا يحصل الأطفال على التعليم، أو على الأقل أن يعرفوا القراءة والكتابة، ومن هنا قررت أن أمنحهم ذلك، دون أي مقابل، مساعدة لوجه الله، فرحت أطرق أبواب الجيران بمنطقتي، وأسألهم عن الأطفال فوق 8 سنوات، ولم يذهبوا للمدرسة، ورحت أسجل الأسماء.. لأن بيتي بالطابق الخامس كان من الصعب دعوة كل الأطفال إلى المنزلي، فطلبت من زوجي استعارة غرفة باستديو التصوير الذي يملكه بنفس البناء، فوافق وبدأت العمل".

صناعة "جو المدرسة"

بالبداية لم تمتلك بتول أي أدوات لتعليم الأطفال، فاستعانت بسبورة صغيرة كانت بناتها يستخدمنها بالروضة، بينما وضع الأطفال الدفاتر على حجورهم فلم يكن هناك طاولات أو مقاعد مناسبة، رغم ذلك بدأ الأطفال يتوافدون من خارج الحي قادمين من مناطق أخرى بمخيم شاتيلا، ليتعلموا الأحرف والأرقام ومبادئ القراءة والكتابة.

تشرح بتول لـ"مهاجر نيوز": "بدأت تعليم 15 طفل بعد أسبوع أصبح العدد نحو 80، لذلك كان يجب تقسيمهم إلى 3 فئات عمرية: من 8-10 سنوات، ومن 10-12 أو 13 سنة، ومن هم فوق الـ13 سنة حتى عمر الـ16، كان هناك أطفال بعمر الـ16لا يعرفون القراءة والكتابة، لم يتمكنوا من الذهاب للمدرسة في سوريا، أو نسوا ما تعلموه لاضطرارهم على عدم المتابعة، لذلك كان التقسيم حسب الأعمار مهم كي لا يشعروا بالحرج أما الأطفال الأصغر سنًا.

وتتابع: "كان الأولاد يحبون القدوم يوميًا للـ"مدرسة"، لم يجبرهم أحد، حتى ان بعضهم كان ينزل من الطابق الأعلى وهو يحمل حقيبة لكي يشعر بـ"إحساس المدرسة"، وأنه يذهب للمدرسة، بينما اطمأن الأهل لإرسال أطفالهم لأني سورية أولاً وبنت بلدهم، وأنا أم كذلك ويعرفوني من الحي".

الصدفة قادت لتكبير المباردة

بقيت بتول تعمل بمفردها في غرفة الاستديو لنحو 4 أشهر، وفي أحد الأيام كانت صحفية لبنانية تزور الاستديو من أجل الاتفاق مع زوج بتول على التصوير بالمخيم لأنه يعمل كمصور صحفي، فرأت الأطفال يتجمعون بالاستديو واستفسرت عن الموضوع.

بعد أيام اتصلت الصحفية ببتول وسألتها عن إمكانية إقامة مهرجان للأطفال ينظمه مجموعة من المتبرعين النمساويين، فرحبت بالفكرة، وأتى المتطوعون الذين أقاموا احتفالًا للأطفال الذين كان عددهم تقريبًا نحو 100 طفل.

تقول بتول لـ"مهاجر نيوز": "بعد نحو 10 أيام رن هاتفي، وكان أحد المتطوعين النمساويين وأخبرني أنهم يرغبون بالتبرع لنا بقرطاسية وسبورة كبيرة، كانت فرحة الأطفال لا توصف، لأول مرة سيتعلمون على لوح كبير، وأصبح لديهم أشيائهم الخاصة من أقلام ودفاتر، لا يمكنني وصف فرحتهم بذلك اليوم".
كلك أخبرها المتطوعون أنهم قادرون على دفع أجار مقرٍ لها لتعليم الأطفال، يكون أكبر وبظروف أفضل من غرفة الاستديو الصغيرة غير المناسبة، وتم البحث عن مكان كبير بـ3 غرف وحمام مناسب، ودفع أجار لمدة عام.

تقول بتول لـ"مهاجر نيوز": "أصبح لدينا مكان حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وبدأت أديره بمفردي، كنت المدرس والمستخدم والمرشد النفسي، كل شيء بالمكان، بعدها بدأت أستعين بأقاربي من طلاب الجامعة للمساعدة بالتدريس تطوعًا، وأصبح لدينا صفين يدرسون 100 طالب باليوم، لمدة نحو 3 أشهر".

 بعد انتهاء التمويل، بدأت بتول تقدم طلبات للجمعيات والمنظمات بلبنان للحصول على تمويل يساعدها على دفع الآجار وبدل بسيط للمتطوعين على وقتهم، لحاجتهم للمال بسبب الوضع الاقتصادي السيء في لبنان.

ليس بديلًا عن التعليم النظامي

بحسب بتول فإن ما تعلمه للأطفال لا يعتمد على منهاج محدد إذ كانت تقوم بطباعة بعض المقررات من كتب بناتها، أو تستعين باليوتيوب، لكنها تشدد على نقطة مهمة: "أنا أقوم بتدريس صف واحد، يتم تخريج الأطفال بعد انتهائه، لا يوجد مراحل ينتقل منها الطفل من واحدة إلى أخرى، أعطي مبادئ القراءة والكتابة فقط، وعندما تتخرج الدفعة يأتي غيرهم"
وتضيف لـ"مهاجر نيوز": "ما أقوم به ليس بديلًا عن التعليم النظامي، لكنه حل مؤقت، هناك مدارس نظامية، وهناك دعم من الأمم المتحدة لذهاب الأطفال، لكن الشروط بالمدارس الإجبارية التي تعتمد على إفادة الروضة، أحيانًا يمكن تغطية تكلفة وسيلة النقل، لذلك أنا واضحة مع الأهل منذ البداية، وأقول أنا لا أعطي شهادة رسمية وما أقدمه لا يغني عن المدرسة، الشهادة التي أعطيها لا قيمة علمية لها وغير معترف بها لكني أعطيها للأطفال لتفريحهم".

وتصف بتول الوضع معتبرةً أنه للأسف هناك عقليات بالمخيم ترفض تعليم أولادها وهناك من لا يريد إرسال أولاده للمدارس، "برأيهم الصبي للعمل والبنت للزواج"، وتحدثنا عن أنه أحيانًا بعض الطفلات الذين تعلمهم وأعمارهم نحو 13 أو 14 عام يدعونها لزفافهم.
وتقول: "في إحدى المرات انهرت نفسيًا، كان هناك طفلتين تتشاجران على القلم في الصف، وبعد عدة أيام سمعت أنهما تزوجتا، تكلمت مع أهلهما لكن رأيي لا يهم ولا صفة ولا سلطة لدي عليهم.

لذلك تعمل بتول والمبادرة على خلق نشاطات تضم الأطفال وتحميهم من الشارع ومخاطره لأطول فترة ممكنة، فأوكسجين اليوم لديها فريق كرة قدم، وحاولوا فريق كرة سلة لكن أهالي بعض الفتيات لم يسمحن لهن بالمشاركة.

 

URL: https://www.infomigrants.net/ar/post/52477/%D8%A7%D9%88%D9%83%D8%B3%D8%AC%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85-%D8%B4%D8%AA%D9%8A%D9%84%D8%A7