العيون/ جنوب المغرب –«القدس العربي»: على الرغم من النزاع القائم، بين المغرب وجبهة البوليساريو، على إقليم الصحراء الغربية، والذي عمر لأزيد من أربعة قرون ونيف، إلا أن الكثير يجمعون على وجود إنسان خلف هذا الصراع، إنسان تلح كينونته على إعطاء جوانبه الحقوقية كل مستحقاتها، بعيداً عن هذا الصراع السياسي، الذي يسمم حياته، وعلى الذاكرة الجمعية، والهوية والثقافة.
منظمة «السلم والتسامح للديموقراطية وحقوق الإنسان» (غير حكومية)، نظمت بمدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء الغربية، ندوة وطنية حول «الذاكرة وبناء الهوية الثقافية»، بحضور باحثين، ومثقفين، وحساسيات مدنية، ناقشوا من خلالها الهوية الصحراوية وتأثير السياقات عليها، ودور الذاكرة في تعزيز الانتماء الثقافي المتعدد.
وقال محمد سالم الشرقاوي، رئيس منظمة «السلم والتسامح للديموقراطية وحقوق الإنسان» إن الهدف من طرح مواضيع هذا النقاش أنها «ترتبط في جزء مهم منها بالذاكرة وبناء الهوية الثقافية، خاصة أن الجميع يعلم الأدوار السلبية التي يمكن أن تبصمها العولمة في هذا المجال».
وأضاف الشرقاوي، الذي كان يرأس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، العيون-السمارة، التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي (رسمي)، أن جميع «المتدخلين في السياسات العمومية، وطنياً ومحلياً، ملزمون بالانخراط والمساهمة في الحفاظ على الذاكرة والموروث الثقافي الحساني، وتطويره، انسجاماً مع خطاب الملك في خطاب العرش الأربعين، بالعيون».
وترى الدكتورة العالية ماء العينين، أن «الهوية الصحراوية نموذج خاص يمتح من الثقافة والذاكرة الخاصة بِنَا»، محذرةً من «المثقف الواقف تحت سلطة ما، لأنه يطوع خطابه لأمر ما، لمتلق لا يملك خلفية ثقافية»، وأكدت أستاذة الأدب العربي في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن «الأسئلة الشائكة التي تواجهنا اليوم جاءت على وقع حذاء العولمة، وأن مفهوم الهوية مفهوم ملتبس، لكن لا يجب الانجرار خلف ذلك، بل يجب اعتبارها ميراثاً اكتسبه الإنسان من محيطه، بعيداً عن معمعان الصراعات الإيديولوجية، وبعيداً عن الجمود والانغلاق». ونفت ماء العينين وجود هوية ثابتة، مشددةً: «بل هي متحركة، والهوية الثقافية حاملة لكل تعدد محيط الإنسان، تخضع لتراتبية خاصة، فهناك من يعطي الأولوية للهوية الدينية، أو الهوية الشخصية والوطنية».وقالت الدكتورة ماء العينين إنه «داخل الصحراء توجد هويات متنوعة تتغدى على الذاكرة، الذاكرة التي تعتبر حجز الزاوية، ومن خلفية قرآنية، يجب التمسك بأن التعدد والاختلاف آية».
ويعتبر الدكتور الباحث في الثقافة الصحراوية، محمد فاضل لفيرس، أن «الهوية بناء اجتماعي يرتبط بالذاكرة، واستمرار وجودها يكمن في استحضار الماضي».
وألقى لفيرس الضوء، في مداخلته، على «معالم الهوية الصحراوية، والذاكرة التي تمنح للإنسان الحفاظ على قدراته التي تعلمها، والتفاعلات النفسية التي تربط الماضي والحاضر»، ويرى أن «الهوية تساهم في جعل الأفراد منفردين عن غيرهم، وهي مصطلح حديث ارتبط بالثقافة التي تميز كل مجتمع عن الآخر»، وقال إن الثقافة «مركب للقيم والعادات لمجموعة بشرية، غير ثابتة، متطورة، تتغير من جيل إلى آخر، وتأثر بثقافات أخرى».
وقال عبد العالي مستور، رئيس منتدى المواطنة، إن «البناء على الانتماء الإثني والديني والهويات هو تمييز ووضع لا إنساني، عندما يصبح فيه دعوة عنصرية قائمة على الامتياز عن الآخر»، وأكد أن «المحدد الأساسي هو أننا بشر، وأن الخطاب المهيمن الذي لا ينمي الإنسان هو خطاب فاشل، وينمي الوهم حول الذات».
وأشار مستور إلى أن «الإحالة إلى النفس في المجال العام، خطاب إقصاء للآخرين الذين لديهم ذات الحق في المجال العام»، وأكد أن «دور النخبة ليس قراءة خطاب الاختلاف، فذالك تحصيل حاصل، بل هو اقتراح معادلات تجمع لا تفرق، وإعادة بناء التنوع ليساعد في بناء الحرية والسلام والتنوع، بقيم وقواعد ومؤسسات تحترم المواطنة والديموقراطية».
واسترد المغرب 1976 الصحراء الغربية التي كانت تحتلها إسبانيا، بعد الاتفاقيات الثلاثية، المعروفة، وافاقيات مدريد يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، والتي تنازلت فيها إسبانيا عن سيادة الصحراء للمغرب وموريتانيا، إلا أن ذلك أدى إلى النزاع على الإقليم؛ بعد رفض جبهة البوليساريو هذه الاتفاقيات.
وبعد حرب قصيرة، خرجت موريتانيا من إقليم وادي الذهب، ووقعت اتفاقية السلام، إلا أن المغرب قام بإبعاد الجبهة عن الإقليم، وفي عام 1991 تم توقيع وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتعهدا بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، لكن منذ ذلك الحين والخلافات حول التعداد وأحقية التصويت.
URL: